«تحليل إسرائيلي» خطة ترامب للسلام تقلب موازين السياسة الإسرائيلية وتفتح طريقًا نحو الدولة الفلسطينية

نشر موقع “972” الإسرائيلي تحليلًا سياسيًا تناول خطة السلام الجديدة التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وأوضح الكاتب ميرون رابوبورت أن هذه الخطة لا تمثل نصرًا لإسرائيل أو لرئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، بل تعكس تغيّرًا واضحًا في موازين القوى داخل المنطقة، ونهاية مرحلة سياسية طالما اعتمدها اليمين الإسرائيلي.
ويرى رابوبورت أن الخطة، رغم ما تحتويه من تناقضات وغموض، تشير إلى تحوّل جذري في الموقف الأمريكي من الحرب على غزة، إذ تتحدث عن وقف شامل للعمليات العسكرية، وإدخال المساعدات الإنسانية، وإطلاق الأسرى من الجانبين، وهو ما يتناقض مع سياسات إسرائيل التي كانت ترى في الحرب فرصة لطرد سكان القطاع.
وتنص الخطة على أنه لن يُجبر أحد على مغادرة غزة، وأن من يغادر يمكنه العودة بحرية، ما يعني إغلاق الباب أمام مشاريع التهجير القسري والتطهير العرقي التي روّجت لها حكومة نتنياهو. كما أكدت البنود أن إسرائيل لن تضم غزة ولن تحتلها مستقبلًا، بل ستنسحب منها تدريجيًا دون تحديد جدول زمني واضح، في حين أشار ترامب إلى أن ضم الضفة الغربية تم تعليقه إلى أجل غير مسمى، وهو ما اعتبره الكاتب مؤشرًا على تراجع نفوذ اليمين الإسرائيلي وتفكك رؤيته السياسية.
وأشار التحليل إلى أن الخطة تتضمن لأول مرة منذ سنوات طويلة بندًا لإنهاء الحصار المفروض على غزة، بحيث يتم إدخال المساعدات عبر الأمم المتحدة والهلال الأحمر دون تدخل إسرائيلي مباشر، مع ضمان حرية التنقل لسكان القطاع. كما ستُدار غزة مؤقتًا من خلال مجلس سلام دولي بقيادة ترامب ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، وبمشاركة عربية وفلسطينية فاعلة.
ومن بين البنود الجديدة أيضًا، تشكيل قوة استقرار دولية تضم جنودًا من باكستان وإندونيسيا وربما مصر، إلى جانب شرطة فلسطينية محلية، وهو ما قد يحدّ من قدرة إسرائيل على تنفيذ اجتياحات أو غارات كما في السابق.
وفي ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، أشارت الخطة إلى إمكانية التوجه نحو دولة فلسطينية مستقبلًا، بشرط أن تنفذ السلطة الفلسطينية برنامج إصلاح يشمل تعديل المناهج ووقف دعم عائلات الأسرى وتنظيم الانتخابات، إلا أن الكاتب حذّر من أن هذه الشروط الغامضة قد تُستخدم لتأجيل قيام الدولة إلى ما لا نهاية إذا بقيت إسرائيل صاحبة القرار النهائي في تقييم التنفيذ.
ويخلص التحليل إلى أن العالم العربي بدوره غيّر نظرته إلى إسرائيل بعد استهدافها لقطر، إذ باتت تُعتبر تهديدًا للاستقرار وليس حليفًا استراتيجيًا، كما ارتفع الدعم الدولي لفلسطين سياسيًا وشعبيًا، وهو ما يظهر في المظاهرات المتزايدة المؤيدة للقضية.
ويشير رابوبورت إلى أن نتنياهو يحاول الترويج للخطة على أنها وسيلة لإدارة الصراع، لكنه يواجه واقعًا جديدًا يفرض عليه قيودًا سياسية ودبلوماسية غير مسبوقة. فمشروعه القائم على السيطرة والتوسع وصل إلى طريق مسدود، ومعه دخلت إسرائيل مرحلة مختلفة تمامًا، قد تشهد أزمة داخلية تشبه تلك التي تبعت الانسحاب من غزة عام 2005.
ويختتم الكاتب بأن ما بعد السابع من أكتوبر 2023 ليس كما قبله، إذ تغيّر المشهد الإقليمي والدولي بشكل عميق، وبات المشروع الإسرائيلي كما عرفه العالم لعقود يواجه نهايته المحتومة.
وبينما ما زالت الخطة تثير جدلاً واسعًا داخل الأوساط السياسية والإعلامية، يرى مراقبون أن ما يجري اليوم قد يكون بداية تحول حقيقي في مسار الصراع، حيث لم تعد إسرائيل الطرف الوحيد القادر على فرض رؤيته، ولم يعد الفلسطينيون خارج المعادلة. فالتغيرات الإقليمية والدولية المتسارعة تُعيد رسم الخريطة من جديد، وربما تكتب فصلاً مختلفًا في تاريخ المنطقة، عنوانه: السلام لم يعد مستحيلاً، لكنه لن يكون كما أرادته إسرائيل.
المصدر : الجزيرة + الصحافة الإسرائيلية