أمريكا، انهيار أم إعادة إنتاج؟

التاريخ يتحرك وينساب بسلاسة بين الأقوياء، قوي يسلم قوياً، لا مكان للضعفاء.
جميع الشعوب العربية القاعدون على هامش الطريق، على الأرصفة يدخنون أو يسحبون الأرجيلة، أو يأكلون المقلوبة والمناسف والكبسة والكشري، جميع هؤلاء يطبلون لسقوط أمريكا، وكأن سقوطها سيؤدي لرفعتهم ومجدهم، وهذا خطأ كبير.
لو نظرنا إلى حركة التاريخ، البابليون استلمت منهم الحضارة، الدولة الآشورية القوية، ثم انتقلت للكلدانيين ثم للفرس، ثم لليونانيين وهكذا، قوي يسلم قويا ً مشعل القيادة، يستلم بالقوة أو بالتراضي، بغض النظر، لكن التاريخ ينتقل بين الأقوياء، الذين يمتلكون جيلاً من المحاربين والمنتجين والمخططين والمفكرين القادرين على إدارة الأمور على مستوى عالمي.
بريطانيا سلمت أمريكا قيادة العالم في القرن العشرين، وأمريكا هل ستسلم القيادة للصين؟ أم أم القيادة لا يبدو أنها في أمريكا ولا حتى في الصين؟ هل هي في مكان آخر؟
في القرن العشرين مثلاً، الدولة كانت قوية، أية دولة، كان لها سطوة على حياة الناس، وزارة التعليم كانت مهمة، وزارة العمل كانت مهمة، وزارة الإعلام كانت مهمة، وهكذا…، وزير الطاقة كان مهما، أما في القرن الواحد والعشرين، ماذا يعني وزير الإعلام عندما يتم إعلامك عبر يوتيوب؟ ماذا يعني وزير الطاقة عندما تشتري أنت الطاقة المتجددة من شركة عابرة للقارات تبيعك طاقة متجددة؟ ماذا يعني وزير التموين عندما تشرف الشركات العملاقة على تزويدك بالمواد الأساسية الغذائية وغيرها؟ ماذا يعني وزير التعليم عندما يتم تعليمك من نعومة إظفارك على منصات يوديمي؟ وإي دي إكس؟ وأوداسيتي؟ وإدراك؟
ماذا يعني وزير العمل وديوان الخدمة المدنية، عندما تحمل أنت شهادات برمجة وتعمل مبرمجا لدى شركة جوجل، وتأخذ راتبك منها؟
ملاحظ أن فكرة الدولة تبدو وكأنها تتحلل أو تتشظى، وهذا ليس حقيقيا تماماً، ولكن هذه حقيقة لا مفر منها: الدول تضعف بشكل سافر، لحساب الشركات متعددة الجنسيات.
من هنا، بدأت الدول التي ميزانياتها بالمليارات، تبدو وكأنها “خادم”، أو “أجير”، لدى السيد الذي ميزانيته بمئات المليارات والتريليونات، الذي هو الشركات العملاقة.
يعني بمعنى آخر، شركة واحدة مثل آبل أو انفيديا، أو أمازون، قيمتها السوقية مثل الدخل القومي النفطي وغير النفطي لسنة واحدة لكل الوطن العربي.
من هنا نلاحظ أن العالم، حكامه الحاليون، مدراء مجالس الشركات الضخمة والبنوك في الغرب واليابان، والحزب الشيوعي الصيني مع عدد من رؤساء مجالس إدارة عدد من الشركات الصينية مثل بيدو وعلي بابا، وتنسنت. أما صراحة باقي العالم، في ميزان القوة الاقتصادية، فلا يبدو وكأنه موجوداً…
ستقول لي روسيا قوية، سأقول لك: قزم اقتصادي مقارنة بأمريكا…
ستقول لي الهند تنمو، سأقول لك: بعيدة جداً عن منافسة الصين وتعج بالفوضى والعنصرية مؤخراً…