إنسان أم حيوان ذكي؟

ما فتئ العلماء والمفكرون يشددون على الفروق الهائلة بين الإنسان والحيوان، والفروق بلا شك هائلة.
القدرة على التحكم بالطبيعة، القدرة على تحليل المعطيات المختلفة، القدرة على وصف ورسم ما يتخيله الإنسان ويدركه، القدرة على نقل المعرفة وتكوين جبال منها، القدرة على الكلام، كل هذه بلا شك سمات للكائن الحي المسمى الإنسان، يتميز بها بشكل جلي عن ملايين الأنواع الأخرى من الحيوانات.
المسرح، السينما، الكتب، الاختراعات، العمران، وسائل النقل، الهواتف، الحواسيب، قصائد الشعر، الحياة الروحية في المساجد والمعابد، الأبحاث العلمية، الوعي بالذات وبباقي الكائنات، والمسؤولية نحو الكوكب، وحتى القنوات الفضائية، وعالم المال والأعمال، كلها علامات على وجود الناس وليس أية كائن آخر في المملكة الحيوانية.
في المقابل، الأكل والشرب والنوم والتكاثر، هي يوميات الحيوان، اليوم، وقبلاً وغداً، ونحن إذ ننظر الآن في وقع الحياة الاستهلاكية الحالية التي تشكل الولايات المتحدة والصين قدماها الأساسيتين، فإننا نلاحظ تحول الإنسان، في المنطقة العربية خاصة، من إنسان إلى حيوان ذكي، فقط!لا نقرأ الكتب، ولا نكتب.
نسينا المسرح الهادف والسينما ذات القيم.لا نكتشف ولا نخترع، أصلا ليس هناك ميزانية للبحث العلمي.لا نصنع أدوات متطورة مثل الحواسيب والقطارات والسيارات والهواتف.
لا نحفظ القرآن ولا الإنجيل ولا حتى الشعر العربي البليغ الساحر.لم نعد نخرج بمظاهرات حتى عن فلسطين، وبناء عليه، لم نعد نشعر بضرورة ولا جدوى الاكتراث للطبيعة ولا مستقبل الكوكب.نتلقى الأخبار ولا نصنعها.
كل ما يمت للإنسانية بصلة، نسيناه، إلا التجارة والمال التي نستفيد منها للاستمرار في الاكل والنوم والتكاثر وتعميق صلتنا فقط بكل ما هو مشترك مع الحيوانات.
بدأنا في المجتمعات الاستهلاكية ننتج كائناً، لا يأبه للصلاة، ولا يأبه حتى للفن الراقي، لا يستمتع بالأوبرا والمسرح، ولا يستمتع بالمحاضرات العلمية ولا يستمتع بالروايات والشعر، كائن لا يستمتع بالفلسفة ولا يقرأ القرآن ولا يفكر بالإنجيل، كائن متعطش للمال ليستمر في الأكل والشرب والنوم والتكاثر، والإحساس بالقوة والعظمة الزائفتين إلى حد بعيد…نحن اقتربنا من إنتاج الحيوان الذكي، وغيرنا اقترب من إنتاج الروبوت البشري!عالم عجيب…
د. أحمد السالم
كاتب عربي من الأردن