تقارير دولية تكشف فظائع مروعة في الفاشر وتعيد مأساة دارفور إلى الواجهة

كشفت صحف غربية في تقارير موسعة، عن أدلة جديدة توثق ما وصفته بـ”مجازر جماعية” و”عنف مروع” شهدته مدينة الفاشر في إقليم دارفور بعد سيطرة قوات الدعم السريع عليها، وسط تحذيرات دولية من انزلاق السودان مجددًا إلى أتون الإبادة الجماعية.
وذكرت نيويورك تايمز أن مقاطع الفيديو وشهادات الشهود التي حصلت عليها الصحيفة تظهر عمليات إعدام ميدانية للسكان أثناء محاولتهم الفرار من المدينة. وأكدت الصحيفة أن مأساة دارفور تعود بعد عشرين عامًا، حيث تسبب سقوط الفاشر في مئات القتلى وآلاف النازحين الذين فروا عبر طرق مليئة بالجثث.
ونقلت الصحيفة عن منظمة الصحة العالمية أن مئات المدنيين قُتلوا في يوم واحد داخل آخر مستشفى بالمدينة، بينما أظهرت مقاطع مصورة عمليات قتل جماعي “بدم بارد”. وأوضحت تقارير إنسانية أن عددًا قليلاً فقط من الفارين تمكن من الوصول إلى مناطق آمنة، في ظل انتشار التفتيش والاحتجاز والفصل القسري بين الرجال والنساء.
وأضافت ماتيلد فو، من المجلس النرويجي للاجئين، أن نحو خمسة آلاف شخص فقط تمكنوا من الوصول إلى مدينة طويلة، غرب الفاشر، مشيرة إلى أن الناجين تحدثوا عن “مشاهد مروعة وجثث على الطريق”.
وأشارت الصحيفة إلى أن صور الفظائع أشعلت موجة غضب عالمي، وأثارت مخاوف من عودة دارفور إلى مشهد العنف العرقي والإبادة الجماعية التي شهدها الإقليم مطلع الألفية. كما صدرت بيانات من الأمم المتحدة وعدة عواصم غربية تندد بأعمال قوات الدعم السريع، وتدعو إلى فرض عقوبات على داعميها الخارجيين.
ومع ذلك، قالت الصحيفة إن الرد الدولي هذه المرة أقل حسمًا، رغم الجهود الأمريكية والإفريقية لوقف إطلاق النار. وأشارت إلى أن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) أقر ببعض التجاوزات واعتقل أحد الجنود الذين تفاخروا بقتل المدنيين، لكنه نفى تنفيذ هجمات على المستشفى الرئيسي في المدينة.
ووفقًا لتقديرات منظمات الإغاثة، ما زال نحو 260 ألف مدني محاصرين في الفاشر، فيما يواجه النازحون ظروفًا إنسانية قاسية داخل المخيمات مع نقص الغذاء والماء وانتشار الأمراض. وأكدت الصحيفة أن السودان يعيش اليوم أكبر أزمة إنسانية في العالم مع نزوح أكثر من 12 مليون شخص ومقتل نحو 400 ألف مدني.
وفي سياق متصل، قالت وول ستريت جورنال إن دارفور تشهد “تحولًا مروعًا” في مسار الحرب الأهلية، مشيرة إلى استخدام قوات الدعم السريع طائرات مسيّرة متطورة وفرق إعدام للسيطرة على المدنيين الذين وصفتهم بأنهم من “السكان السود”.
وأوضحت الصحيفة أن شهادات محلية وفيديوهات متداولة توثق إطلاق النار على المدنيين واغتصاب النساء وقتل العاملين في القطاع الصحي، مؤكدة مقتل 460 شخصًا داخل أحد المستشفيات بعد اقتحامه، وفق بيانات منظمة الصحة العالمية.
وأضافت أن المليشيا المدعومة من الإمارات أنشأت حكومة موازية، واستخدمت الطائرات لتدمير البنية التحتية وفرض حصار خانق أدى إلى انتشار المجاعة والأوبئة في الإقليم. كما حذر خبراء حقوق الإنسان من أن ما يحدث في الفاشر يشبه الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994.
وختمت الصحيفة بأن الجيش السوداني أدان هذه الفظائع واتهم الدعم السريع بارتكاب “مجزرة ضد المدنيين”، مؤكدًا أنه انسحب من المدينة لحماية السكان، مع تعهده بمواصلة القتال حتى استعادة السيطرة على الإقليم.
ورغم قسوة المشهد، يرى سودانيون أن ما يجري اليوم في دارفور ليس مجرد فصل جديد من الحرب، بل امتحان حقيقي لوحدة وضمير الأمة السودانية. فبين أصوات الرصاص وصرخات النازحين، تتجلى روح الصمود والتكافل الشعبي التي عرف بها السودانيون عبر تاريخهم، حيث يسعى المدنيون في المناطق الآمنة إلى إغاثة إخوانهم بكل ما يملكون، في صورة نادرة من الإصرار على الحياة رغم المأساة.
المصدر: نيويورك تايمز – وول ستريت جورنال – الجزيرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى